فصل: الباب الرابع فيما يكتب في التوفيق بين السنين الشمسية والقمرية

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: صبح الأعشى في كتابة الإنشا **


  الباب الرابع من المقالة السادسة فيما يكتب في التوفيق بين السنين الشمسية والقمرية

المعبر عنه في زماننا بتحويل السنين وما يكتب في التذاكر التوفيق بين السنين الشمسية والقمرية وتحويلها وفيه فصلان‏:‏

  الفصل الأول التوفيق بين السنين

وفي طرفان‏:‏ الطرف الأول في بيان أصل ذلك اعلم أن استحقاق الخراج وجبايته منوطان بالزروع والثمار من حيث إن الخراج من متحصل ذلك يؤخذ والزرع والثمار منوطة بالشهور والسنين الشمسية من حيث إن كل نوع منها يظهر في وقت من أوقاتها ملازم له لا يتحول عنه ولا ينتقل للزوم كل شهر منها وقتاً بعينه من صيف أو شتاء أو خريف أو ربيع واستخراج الخراج في الملة الإسلامية منوط بتاريخ الهجرة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام وشهوره وسنوه عربية‏.‏

والشهور العربية تنتقل من وقت إلى وقت فربما كان استحقاق الخراج في أول سنة من السنين العربية ثم تراخى الحال فيه إلى أن صار استحقاقه في أواخرها ثم تراخى حتى صار في السنة الثانية فيصير الخراج منسوباً للسنة السابقة واستحقاقه في السنة اللاحقة فيحتاج حينئذ إلى تحويل السنة الخراجية السابقة إلى التي بعدها على ما سيأتي ذكره‏.‏

قال في ‏"‏ مواد البيان ‏"‏‏:‏ والسبب في انفراج ما بين السنين الشمسية والهلالية أن أيام السنة الشمسية هي المدة التي تقطع الشمس الفلك فيها دفعة واحدة وهي ثلاثمائة وخمسة وستون يوماً وربع يوم بالتقريب حسب ما توجبه حركتها وأيام السنة الهلالية هي المدة التي يقطع القمر الفلك فيها اثنتي عشرة دفعة وهي ثلاثمائة وأربعة وخمسون يوماً وسدس يوم فيكون التفاوت بينهما أحد عشر يوماً وسدس يوم فتكون زيادة السنين الشمسية على السنين الهلالية في كل ثلاث سنين شهراً واحداً وثلاثة أيام ونصف يوم تقريباً وفي كل ثلاث وثلاثين سنة بالتقريب فإذا تمادى الزمان تفاوت ما بين السنين تفاوتاً قبيحاً فيرى السلطان عند ذلك أن تنقل السنة الشمسية إلى الهلالية بالاسم دون الحقيقة توفيقاً بينهما وإزالة للشبهة في أمرها ومتى أوعز بذلك لم يقف على الغرض فيه إلا الخاصة دون العامة وربما أسرع إلى ظن المعاملين وأرباب الخراج والأملاك أن ذلك عائد عليهم بظلم وحيف وإلى ظن مستحفي الإقطاع أنه منتقص لهم ونسبوا الجوار إلى السلطان بسبب ذلك وشنعوا عليه فرسم بلغاء الكتاب في هذا المعنى رسوماً تعود بتفهيم الغبي وتبصير العمي وتوصل المعنى المراد إلى الكافة إيصالاً يتساوون في تصديقه وتيقنه ولا تتوجه عليهم شبهة ولا شك فيه‏.‏

قلت‏:‏ وقد ذكر أبو هلال العسكري في ‏"‏ الأوائل ‏"‏ أن أول من أخر النيروز المتوكل على الله أحد خلفاء بني العباس وذلك أنه بينما هو يطوف في متصيد له إذ رأى زرعاً أخضر فقال‏:‏ قد استأذنني عبيد الله بن يحيى في فتح الخراج وأرى الزرع أخضر فقيل له‏:‏ إن جباية الخراج الآن قد تضر بالناس إذ تلجئهم إلى أنهم يقترضون ما يؤدون في الخراج فقال‏:‏ أهذا شيء حدث أو لم يزل كذا فقيل له‏:‏ بل حدث وعرف أن الشمس تقطع الفلك في ثلاثمائة وخمسة وستين يوماً وربع يوم وأن الروم تكبس في كل أربع سنين يوماً فيطرحونه من العدد فيجعلون شباط ثلاث سنين متواليات ثمانية وعشرين يوماً وفي السنة الرابعة ينجبر من ذلك الربع اليوم يوم تام فيصير شباط تسعة وعشرين يوماً ويسمون تلك السنة الكبيسة‏.‏

وكانت الفرس تكس للفضل الذي بين سنيها وبين سنة الشمس في كل مائة وست عشرة سنة شهراً فلما جاء الإسلام عطل ذلك ولم يعمل به فأضر بالناس ذلك وجاء زمن هشام بن عبد الملك فاجتمع الدهانقة إلى خالد بن عبد الله القسري وشرحوا له ذلك ‏"‏ ولم يعمل به فأضر الناس بذلك ‏"‏ وقد سألوه أن يؤخر إليه فأرسل الكتب إلى هشام سراً في ذلك فقال هشام‏:‏ أخاف أن يكون ذلك من قول الله تعالى‏:‏ ‏"‏ إنما النسيء زيادة في الكفر ‏"‏‏.‏

فلما كان أيام الرشيد اجتمعوا إلى يحيى بن خالد البرمكي وسألوه في تأخير النيروز نحو شهر فعزم على ذلك فتكلم أعداؤه فيه وقالوا‏:‏ تعصب للمجوسية فأضرب عنه فبفي على ذلك إلى اليوم فأحضر المتوكل حينئذ إبراهيم بن العباس وأمره أن يكتب عنه كتاباً في تأخير النيروز بعد أن تحسب الأيام فوقع الاتفاق على أن يؤخر إلى سبعة وعشرين يوماً من حزيران فكتب الكتاب على ذلك‏.‏

قال العسكري‏:‏ ‏"‏ وهو كتاب مشهور في رسائل إبراهيم بن العباس ‏"‏ ثم قتل المتوكل قبل دخول السنة الجديدة وولي المنتصر واحتيج إلى المال فطولب به الناس على الرسم الأول وانتقض ما رسمه المتوكل فلم يعمل به حتى ولي المعتضد فقال لعلي بن يحيى المنجم‏:‏ تذكر ضجيج الناس من أمر الخراج فكيف جعلت الفرس مع حكمتها وحسن سيرتها افتتاح الخراج في وقت مل لا يتمكن الناس من أدائه فيه فشرح له أمره وقال‏:‏ ينبغي أن يرد إلى وقته ويلزم يوماً من أيام الروم فلا يقع فيه تغير فقال له المعتضد‏:‏ سر إلى عبيد الله بن سليمان فوافقه على ذلك فصرت إليه ووافقته وحسبنا حسابه فوقع في اليوم الحادي عشر من حزيران فأحكم أمره على ذلك وأثبت في الدواوين وكان النيروز الفارسي إذ ذاك يوم الجمعة لإحدى عشرة ليلة خلت من صفر سنة اثنتين وثمانين ومائتين ومن شهور الروم الحادي عشر من نيسان‏.‏

وقد قال أبو الحسين علي بن الحسين الكاتب رحمه الله‏:‏ عهدت جباية الخراج في سنين قبل سنة إحدى وأربعين ومائتين في خلافة أمير المؤمنين المتوكل رحمه الله عليه تجري لكل سنة في السنة التي بعدها بسبب تأخر الشهور الشمسية عن الشهور القمرية في كل سنة أحد عشر يوماً وربع يوم وزيادة الكسر عليه فلما دخلت سنة اثنتين وأربعين ومائتين كان قد انقضى من السنين التي قبلها ثلاث وثلاثون سنة أولهن ثمان ومائتين من خلافة أمير المؤمنين المأمون رحمة الله عليه واجتمع من هذا المتأخر فيها أيام سنة شمسية كاملة‏:‏ وهي ثلاثمائة وخمسة وستون يوماً وربع يوم وزيادة الكسر وتهيأ إدراك غلات وثمار سنة إحدى وأربعين ومائتين في صدر سنة اثنتين وأربعين ومائتين فأمر أمير المؤمنين المتوكل رحمة الله عليه بإلغاء ذكر سنة إحدى وأربعين ومائتين إذ كانت قد انقضت ونسب الخراج إلى سنة اثنتين وأربعين ومائتين‏.‏

قال صاحب ‏"‏ المنهاج في صنعة الخراج ‏"‏‏:‏ ولما نقلت سنة إحدى وأربعين ومائتين وأربعين جبى أصحاب الدواوين الجوالي والصدقات لسنتي إحدى واثنتين وأربعين ومائتين في وقت واحد لأن الجوالي بسر من رأى ومدينة السلام ومضافاتهما كانت تجبى على شهور الأهلة وما كان عن جماجم أهل القرى والضياع والمستغلات كانت تجبى على شهور الشمس فألزم أهل الجوالي خاصة في مدة الثلاث وثلاثين سنة ورفعها العمال في حسباناتهم فاجتمع من ذلك ألوف ألوف دراهم فجرت الأعمال بعد نقل المتوكل على ذلك سنة بعد سنة لى أن انقضت ثلاث وثلاثون سنة آخرتهن انقضاء سنة أربع وسبعين ومائتين فلم ينبه كتاب أمير المؤمنين - المعتمد على الله رحمة الله عليه - على ذلك إذ كان رؤساؤهم في ذلك الوقت إسماعيل بن بلبل وبني الفرات ولم يكونا عملوا في ديوان الخراج والضياع في خلافة أمير المؤمنين المتوكل رحمه الله ولا كانت أسنانهم أسناناً بلغت معرفتهم معها هذا النقل بل كان مولد أحمد بن الفرات قبل هذه السنة بخمس سنين ومولد على أخيه فيها وكان إسماعيل يتعلم في مجلس لم يبلغ أن ينسخ فلما تقلدت لناصر الدين أبي أحمد طلحة الموفق رحمة الله عليه أعمال الضياع بقزوين ونواحيها لسنة ست وسبعين ومائتين وكان مقيماً بأذربيجان وخليفته بالجبل والقرى جرادة بن محمد وأحمد بن محمد كاتبه واحتجت إلى رفع جماعتي إليه - ترجمتها بجماعة سنة ست وسبعين ومائتين التي أدركت غلاتها وثمارها في سنة سبع وسبعين ومائتين ووجب إلغاء ذكر سنة ست وسبعين ومائتين فلما وقفا على هذه الترجمة أنكراها وسألاني عن السبب فيها فشرحته لهما ووكدت ذلك بأن عرفتهما أني قد استخرجت حساب السنين الشمسية والسنين القمرية من القرآن الكريم بعد ما عرضته على أصحاب التفسير فذكروا أنه لم يأت فيه شيء من الأثر فكان ذلك أوكد في لطف استخراجي‏:‏ وهو أن الله تعالى قال في سورة الكهف‏:‏ ‏"‏ ولبثوا في كهفهم ثلاثمائة سنين وازدادوا تسعاً ‏"‏ فلم أجد أحداً من المفسرين عرف ما معنى قوله‏:‏ وازدادوا وإنما خاطب الله جل وعز نبيه بكلام العرب وما تعرفه من الحساب فمعنى هذه التسع أن الثلثمائة كانت شمسية بحساب العجم ومن لا يعرف السنين القمرية فإذا أضيف إلى الثلثمائة القمرية زيادة التسع كانت سنين شمسية صحيحة فاستحسناه فلما انصرف جرادة مع الناصر - رحمة الله عليه - إلى مدينة السلام وتوفي الناصر رضوان الله عليه وتقلد أبو القاسم عبيد الله بن سليمان رحمه الله كتابة أمير المؤمنين‏:‏ المعتضد بالله صلوات الله عليه أجرى له جرادة ذكر هذا النقل وشرح له سببه‏:‏ تقرباً إليه وطعناً على أبي القاسم عبيد الله رحمه الله في تأخيره إياه‏.‏

فلما وقف المعتضد بالله رحمه الله على ذلك تقدم إلى أبي القاسم بإنشاء الكنب بنقل سنة ثمان وسبعين ومائتين إلى سنة تسع وسبعين ومائتين فكتب وكان هذا النقل بعد أربع سنين من وجوبه ثم مضت السنون سنة بعد سنة إلى أن انقضت الآن ثلاث وثلاثون سنة أولاهن السنة التي كان النقل وجب فيها‏:‏ وهي سنة خمس وسبعين ومائتين وآخرتهن انقضاء سنة سبع وثلثمائة فوافق ذلك خلافة المطيع لله في وزارة أبي محمد المهلبي فأمر بنقل سنة ست وثلثمائة إلى سنة سبع وثلثمائة ونسبة الخراج إليها فنقلت وأمر بالكتابة بذلك من ديوان الإنشاء فكتب به‏.‏

وقد حكى أبو الحسين هلال بن المحسن بن أبي إسحاق إبراهيم الصابي عن أبيه أنه قال‏:‏ لما أراد الوزير أبو محمد المهلبي نقل السنة أمر أبا إسحاق والدي وغيره من كتابه في الخراج والرسائل بإنشاء كتاب عن المطيع لله رحمة الله عليه في هذا المعنى وكل منهم كتب وعرضت النسخ على الوزير أبي محمد فاختار منها كتاب والدي وتقدم بأن يكتب إلى أصحاب الأطراف‏.‏

وقال لأبي الفرج بن أبي هاشم خليفته‏:‏ اكتب إلى العمال بذلك كتباً محققة وانسخ في أواخرها هذا الكتاب السلطاني فغاظ أبا الفرج وقوع التفضيل والاختيار لكتاب والدي وقد كان عمل نسخة اطرحت في جملة ما اطرح وكتب‏:‏ ‏"‏ قد رأينا نقل سنة خمسين إلى إحدى وخمسين فاعمل على ذلك ‏"‏ ولم ينسخ الكتاب السلطاني وعرف الوزير أبو محمد ما كتب به أبو الفرج فقال له‏:‏ لماذا أغفلت نسخ الكتاب السلطاني في آخر الكتاب إلى العمال وإثباته في الديوان فأجاب جواباً علل فيه فقال له يا أبا الفرج‏:‏ ما تركت ذلك إلا حسداً لأبي إسحاق على كتابه وهو والله في هذا الفن أكتب أهل زمانه‏.‏

قال صاحب ‏"‏ المنهاج في صنعة الخراج ‏"‏‏:‏ وقد كان نقل السنين في الديار المصرية أغفل حتى سنة تسع وتسعين وأربعمائة الهلالية فنقلت سنة تسع وتسعين الخراجية إلى سنة إحدى وخمسمائة فيما رأيته في تعليقات أبي‏.‏

قال‏:‏ وآخر ما نقلت السنة في وقتنا هذا أن نقلت سنة خمس وستين وخمسمائة إلى سنة سبع وستين وخمسمائة الهلالية فتطابقت السنتان‏.‏

وذلك أنني لما قلت للقاضي الفاضل عبد الكريم البيساني‏:‏ إنه قد آن نقل السنة أنشأ سجلاً بنقلها نسخ في الدواوين وحمل الأمر على حكمه ثم قال‏:‏ وما برح الملوك والوزراء يعنون بنقل السنين في أحيانها ومطابقة العامين في أول زمان اختلافهما بالبعد وتقارب اتفاقهما بالنقل‏.‏

قلت والحاصل أنه إذا مضى ثلاث وثلاثون سنة من آخر السنة حولت السنة الثالثة والثلاثون إلى تلو السنة التي بعدها وهي الخامسة والثلاثون وتلغى الرابعة والثلاثون ومقتضى البناء على التحويل الذي كان في خلافة المطيع في سنة سبع وثلاثمائة المقدم ذكره أن تحول سنة سبع وثلاثمائة إلى سنة تسع وثلاثمائة ثم تحول سنة أربعين وثلاثمائة إلى اثنتين وأربعين وثلاثمائة وتلغى سنة إحدى وأربعين ثم تحول سنة ثلاث وسبعين وثلاثمائة إلى سنة خمس وسبعين وثلاثمائة وتلغى سنة أربع وسبعين ثم تحول سنة ست وأربعمائة إلى سنة ثمان وأربعمائة وتلغى سنة سبع ثم تحول سنة تسع وثلاثين وأربعمائة إلى سنة إحدى وأربعين وأربعمائة وتلغى سنة أربعين ثم تحول سنة اثنتين وسبعين وأربعمائة إلى سنة أربع وسبعين وأربعمائة وتلغى سنة ثلاث وسبعين ثم تحول سنة خمس وخمسمائة إلى سنة سبع وخمسمائة وتلغى سنة ست لكن قد تقدم من كلام صاحب ‏"‏ المنهاج في صنعة الخراج ‏"‏ أن التحويل كان تأخر بالديار المصرية إلى سنة تسع وتسعين وأربعمائة فحولت سنة تسع وتسعين الخراجية إلى سنة إحدى وخمسمائة فيكون التحويل بالديار المصرية قد وقع قبل استحقاقه بمقتضى الترتيب المقدم ذكره بست سنين من حيث إنه كان المستحق مغل سنة خمس وخمسمائة إلى سنة سبع وخمسمائة كما تقدم فنقلت سنة تسع وتسعين وأربعمائة إلى سنة إحدى وخمسمائة‏.‏

والأمر في ذلك قريب إذ التحويل على التقريب دون التحديد‏.‏

ثم مقتضى ترتيب التحويل الرابع في الديار المصرية بعد تحويل سنة تسع وتسعين وأربعمائة إلى سنة إحدى وخمسمائة أن تحول بعد ذلك سنة اثنتين وثلاثين وخمسمائة إلى سنة أربع وثلاثين وخمسمائة وتلغى سنة ثلاث وثلاثين ثم تحول سنة خمس وستين وخمسمائة إلى سنة سبع وستين وخمسمائة وتلغى سنة ست وستين ثم تحول سنة ثمان وتسعين وخمسمائة إلى سنة ستمائة وتلغى سنة تسع وتسعين وخمسمائة ثم تحول سنة إحدى وثلاثين وستمائة إلى سنة ثلاث وثلاثين وستمائة وتلغى سنة اثنتين وثلاثين ثم تحول سنة أربع وستين وستمائة إلى سنة ست وستين وستمائة وتلغى سنة خمس وستين ثم تحول سنة سبع وتسعين وستمائة إلى سنة تسع وتسعين وستمائة وتلغى سنة ثمان وتسعين ثم تحول سنة سبعمائة وثلاثين إلى سنة سبعمائة واثنتين وثلاثين وتلغى سنة إحدى وثلاثين ثم تحول سنة ثلاث وستين وسبعمائة إلى سنة خمس وستين وسبعمائة وتلغى سنة أربع وستين وسبعمائة وتحول سنة ست وتسعين وسبعمائة إلى سنة ثمان وتسعين وسبعمائة وتلغى سنة سبع وتسعين ثم لا يكون تحويل إلى تسع وعشرين وثمانمائة فتحول إلى سنة إحدى وثلاثين وثمانمائة لكن قد حول كتاب الدواوين بالديار المصرية وأرباب الدولة بها سنة تسع وأربعين وسبعمائة‏:‏ ‏"‏ وهي سنة الطاعون الجارف العام ‏"‏ إلى سنة إحدى وخمسين وسبعمائة وألغوا سنة خمسين‏.‏

وكان يقال‏:‏ مات في تلك السنة كل شيء حتى السنة وسيأتي ذكر المرسوم المكتتب بها في تحويل السنين في هذه المقالة إن شاء الله تعالى‏.‏

ونقل ذلك لتأخير وقع من إغفال تحويل سنة سبعمائة وثلاثين المتقدمة الذكر وآخر سنة حولت في زماننا سنة‏.‏

‏.‏

‏.‏

‏.‏

‏.‏

‏.‏

الطرف الثاني في صورة ما يكتب في تحويل السنين وهو على نوعين النوع الأول ما كان يكتب في ذلك عن الخلفاء وفيه مذهبان المذهب الأول وعلى ذلك كان يكتب من ديوان الخلافة ببغداد‏.‏

وهذه نسخة ما ذكر أبو الحسين بن علي الكاتب المقدم ذكره أنه كتب به في ذلك في نقل سنة ثمان وسبعين ومائتين إلى سنة تسع وسبعين ومائتين في خلافة المعتضد بالله أمير المؤمنين وهي‏:‏ أما بعد فإن أولى ما صرف إليه أمير المؤمنين عنايته وأعمل فيه فكره ورويته وشغل به تفقده ورعايته أمر الفيء الذي خصه الله به وألزمه جمعه وتوفيره وحياطته وتكثيره وجعله عماد الدين وقوام أمر المسلمين وفيما يصرف منه إلى أعطيات الأولياء والجنود ومن يستعان به لتحصين البيضة والذب عن الحريم وحج البيت وجهاد العدو وسد الثغور وأمن السبل وحقن الدماء وإصلاح ذات البين وأمير المؤمنين يسأل الله راغباً إليه ومتوكلاً عليه أن يحسن عونه على ما حمله منه ويديم توفيقه لما أرضاه وإرشاده إلى ما يقضي بالخير عنه وله‏.‏

وقد نظر أمير المؤمنين فيما كان يجري عليه أمر جباية هذا الفيء في خلافة آبائه الخلفاء الراشدين فوجده على حسب ما كان يدرك من الغلات والثمار في كل سنة أولاً أولاً على مجاري شهور سني الشمس في النجوم التي يحل مال كل صنف منها فيها ووجد شهور السنة الشمسية تتأخر عن شهور السنة الهلالية أحد عشر يوماً وربعاً وزيادة عليه ويكون إدراك الغلات والثمار في كل سنة بحسب تأخرها‏.‏

فلا تزال السنون تمضي على ذلك سنة بعد سنة حتى تنقضي منها ثلاث وثلاثون سنة وتكون عدة الأيام المتأخرة منها أيام سنة شمسية كاملة وهي ثلاثمائة وخمسة وستون يوماً وربع يوم وزيادة عليه فحينئذ يتهيأ بمشيئة الله وقدرته إدراك الغلات التي تجري عليها الضرائب والطسوق في استقبال المحرم من سني الأهلة‏.‏

ويجب مع ذلك إلغاء ذكر السنة الخارجية إذا كانت قد انقضت ونسبتها إلى السنة التي أدركت الغلات والثمار فيها وإنه وجد ذلك قد كان وقع في أيام أمير المؤمنين المتوكل على الله رحمة الله عليه عند انقضاء ثلاث وثلاثين سنة آخرتهن سنة إحدى وأربعين ومائتين فاستغنى عن ذكرها بإلغائها ونسبتها إلى سنة اثنتين وأربعين ومائتين فجرت المكاتبات والحسبانات وسائر الأعمال بعد ذلك سنة بعد سنة إلى أن مضت ثلاث وثلاثون سنة آخرتهن انقضاء سنة أربع وسبعين ومائتين ووجب إنشاء الكتب بإلغاء ذكر سنة أربع وسبعين ومائتين ونسبتها إلى سنة خمس وسبعين ومائتين فذهب ذلك عل كتاب أمير المؤمنين المعتمد على الله وتأخر الأمر أربع سنين إلى أن أمر أمير المؤمنين المعتضد بالله في سنة سبع وسبعين ومائتين بنقل خراج سنة ثمان وسبعين ومائتين إلى سنة تسع وسبعين ومائتين فجرى الأمر على ذلك إلى أن انقضت في هذا الوقت ثلاث وثلاثون سنة‏:‏ أولاهن السنة التي كان يجب نقلها فيها وهى سنة خمس وسبعين ومائتين وآخرتهن انقضاء شهور خراج سنة سبع وثلثمائة ووجب افتتاح خراج ما تجري عليه الضرائب والطسوق في أولها وإن من صواب التدبير واستقامة الأعمال واستعمال ما يخف على الرعية معاملتها به نقل سنة الخراج لسنة سبع وثلثمائة إلى سنة ثمان وثلثمائة فرأى أمير المؤمنين - لما يلزمه نفسه ويؤاخذها به من العناية بهذا الفيء وحياطة أسبابه وإجراء وجاريها وسلوك سبيل آبائه الراشدين رحمة الله عليهم فيها - أن يكتب إليك وإلى سائر العمال في النواحي بالعمل على ذلك وان يكون ما يصدر إليكم من الكتب وتصرونه عنكم وتجري عليه أعمالكم ورفوعكم وحسباناتكم وسائر مناظراتكم على هذا النقل‏.‏

فاعلم ذلك من رأي أمير المؤمنين واعمل به مستشعراً فيه وفي كل ما تمضيه تقوى الله وطاعته ومستعملاً عليه ثقات الأعوان وكفاتهم مشرفاً عليهم ومقوماً لهم واكتب بما يكون منك في ذلك إن شاء الله تعالى‏.‏

وهذه نسخة ما كتب به أبو إسحاق الصابي عن المطيع لله بنقل سنة ست وثلثمائة إلى سنة سبع وثلثمائة وهي‏:‏ أما بعد فإن أمير المؤمنين لا يزال مجتهداً في مصالح المسلمين وباعثاً لهم على مراشد الدنيا والدين ومهيئاً لهم إلى أحسن الاختيار فيما يوردون ويصدرون وأصواب الرأي فيما يبرمون وينقضون فلا تلوح له خلة داخلة على أمورهم إلا سدها وتلافاها ولا حال عائدة بحظ عليهم إلا اعتمدها وأتاها ولا سنة عادلة إلا أخذهم باقامة رسمها وإمضاء حكمها والاقتداء بالسلف الصالح في العمل بها والاتباع لها وإذا عرض من ذلك ما تعلمه الخاصة بوفور ألبابها وتجهله العامة بقصور أفهامها وكانت أوامره فيه خارجة إليك وإلى أمثالك من أعيان رجاله وأماثل عماله الذين يكتفون بالإشارة ويجتزئون بتيسير الإبانة والعبارة لم يدع أن يبلغ من تلخيص اللفظ وإيضاح المعنى إلى الحد الذي يلحق المتأخر بالمتقدم ويجمع بين العالم والمتعلم ولا سيما إذا كان ذلك فيما يتعلق بمعاملات الرعية ومن لا يعرف إلا الظواهر الجلية دون البواطن الخفية ولا يسهل عليه الانتقال عن العادات المتكررة إلى الرسوم المتغيرة ليكون القول بالمشروح لمن برز في المعرفة مذكراً ولم تأخر فيها مبصراً ولأنه ليس من الحق أن تمنع هذه الطبقة من برد اليقين في صدورها ولا أن يقتصر على اللمحة الدالة في مخاطبة جمهورها حتى إذا استوت الأقدام بطوائف الناس في فهم ما أمروا به وفقه ما دعوا إليه وصاروا فيه على كلمة سواء لا يعترضهم شك الشاكين ولا استرابة المستريبين اطمأنت قلوبهم وانشرحت صدورهم وسقط الخلاف بينهم واستمر الاتفاق فيهم واستيقنوا أنهم مسوسون على استقامة من المنهاج ومحروسون من جرائر الزيغ والاعوجاج فكان الانقياد منهم وهم دارون عالمون لا مقلدون وأمير المؤمنين يستمد الله تعالى في جميع أغراضه ومراميه ومطالبه ومغازيه مادة من صنعه تقف به على سنن الصلاح وتفتح له أبواب النجاح وتنهضه بما أهله لحمله من الأعباء التي لا يدعي الاستقلال بها إلا بتوفيقه ومعونته ولا يتوجه فيها إلا بدلالته وهدايته وحسب أمير المؤمنين الله ونعم الوكيل‏.‏

وأمير المؤمنين يرى أن أولى الأقوال أن يكون سداداً وأحرى الأفعال أن يكون رشاداً ما وجد له في السابق من حكم الله أصول وقواعد وفي النص من كتابه آيات وشواهد وكان مفضياً بالأمة إلى قوام من دين ودنيا ووفاق في آخرة وأولى فذلك هو البناء الذي يثبت ويعلو والغرس الذي ينبت ويزكو والسعي الذي تنجح مباديه وهواديه وتبهج عواقبه وتواليه وتستنير سبله لسالكيها وتوردهم موارد السعود في مقاصدهم فيها غير ضالين ولا عادلين ولا منحرفين ولا زائلين‏.‏

وقد جعل الله عز وجل من هذه الأفلاك الدائرة والنجوم السائرة فيما تتقلب عليه من اتصال وافتراق ويتعاقب عليها من اختلاف واتفاق منافع تظهر في كرور الشهور والأعوام ومرور الليالي والأيام وتناوب الضياء والظلام واعتدال المساكن والأوطان وتغاير الفصول والأزمان ونشء النبات والحيوان فما في نظام ذلك خلل ولا في صنعة صانعه زلل بل هو منوط بعضه ببعض ومحوط من كل ثلمة ونقض قال الله سبحانه‏:‏ ‏"‏ هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نوراً وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب ما خلق الله ذلك إلا بالحق ‏"‏ وقال جل من قائل‏:‏ ‏"‏ ألم تر أن الله يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل وسخر الشمس والقمر كل يجري إلى أجل مسمى وأن الله بما تعملون خبير ‏"‏‏.‏

وقال‏:‏ ‏"‏ والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم ‏"‏ وقال عزت قدرته‏:‏ ‏"‏ والقمر قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون القديم ‏"‏‏.‏

ففضل الله تعالى في هذه الآيات بين الشمس والقمر وأنبأنا في الباهر من حكمه والمعجز من كلمه أن لكل منهما طريقاً سخر فيها وطبيعة جبل عليها وأن كل تلك المباينة والمخالفة في المسير تؤدي إلى موافقة وملازمة في التدبير فمن هنالك زادت السنة الشمسية فصارت ثلثمائة وخمسة وستين يوماً وربعاً بالتقريب المعمول عليه وهي المدة التي تقطع الشمس فيها الفلك مرة واحدة ونقصت السنة الهلالية فصارت ثلاثمائة وأربعة وخمسين يوماً وكسراً وهي المدة التي يجامع القمر فيها الشمس اثنتي عشرة مرة واحتيج إذا افترقنا ويداني بينهما إذا تفاوتتا‏.‏

وما زالت الأمم السالفة تكبس زيادات السنين على افتنان من طرقها ومذاهبها وفي كتاب الله عز وجل شهادة بذلك إذ يقول في قصة أهل الكهف‏:‏ ‏"‏ ولبثوا في كهفهم ثلاثمائة سنين وازدادوا تسعاً ‏"‏‏.‏

فكانت هذه الزيادة بأن الفضل في السنين المذكورة على تقريب التقريب‏.‏

فأما الفرس فإنهم أجروا معاملاتهم على السنة المعتدلة التي شهورها اثنا عشر شهراً وأيامها ثلاثمائة وستون يوماً ولقبوا الشهور اثني عشر لقباً وسموا أيام الشهر منها ثلاثين اسماً وأفردوا الأيام الزائدة وسموها المسترقة وكبسوا الربع في كل مائة وعشرين سنة شهراً‏.‏

فلما انقرض ملكهم بطل في كبس هذا الربع تدبيرهم وزال نوروزهم عن سنته وانفرج ما بينه وبين حقيقة وقته انفراجاً هو زائد لا يقف ودائر لا ينقطع حتى إن موضوعهم فيه أن يقع في مدخل الصيف وسينتهي إلى أن يقع في مدخل الشتاء ويتجاوز ذلك وكذلك موضوعهم في المهرجان أن يقع في مدخل الشتاء وسينتهي إلى أن يقع في مدخل الصيف ويتجاوزه‏.‏

وأما الروم فكانوا أتقن منهم حكمة وأبعد نظراً في عاقبة‏:‏ لأنهم رتبوا شهور السنة على أرصاد رصدوها وأنواء عرفوها وفضوا الخمسة الأيام الزائدة على الشهور وساقوها معها على الدهور وكبسوا الربع في كل أربع سنين يوماً ورسموا أن يكون إلى شباط مضافاً فقربوا ما بعده غيرهم وسهلوا على الناس أن يقتفوا أثرهم لا جرم أن المعتضد بالله صلوات الله عليه وعلى أصولهم بنى ولمثالهم احتذى في تصيير نوروزه اليوم الحادي عشر من حزيران حتى سلم مما لحق النواريز في سالف الأزمان وتلافوا الأمر في عجز سني الشمس ما يفي بتمام شهر جعلوا السنة الهلالية التي يتفق ذلك فيها ثلاثة عشر هلالاً فربما تم الشهر الثالث عشر في ثلاث سنين وربما تم في سنتين بحسب ما يوجبه الحساب فتصير سنتا الشمس والهلال عندهم متقاربتين أبداً لا يتباعد ما بينهما‏.‏

وأما العرب فإن الله جل وعز فضلها على الأمم الماضية ورثها ثمرات مساعيها المتعبة وأجرى شهر صيامها ومواقيت أعياده وزكاة أهل ملتها وجزية أهل ذمتها على السنة الهلالية وتعبدها فيها برؤية الأهلة إرادة منه أن تكون مناهجها واضحة وأعلامها لائحة فيتكافأ في معرفة الغرض ودخول الوقت الخاص منهم والعام والناقص الفقه والتام والأنثى والذكر وذو الصغر والكبر فصاروا حينئذ يجبون في سنة الشمس حاصل الغلات المقسومة وخراج الأرض الممسوحة ويجبون في سنة الهلال الجوالي والصدقات والأرجاء والمقاطعات والمستغلات وسائر ما يجري على المشاهرات وحدث من التعاظل والتداخل بين السنين ما لو استمر لقبح جداً وازداد بعداً إذ كانت الجباية الخراجية في السنة وتلغى ويتجاوز إلى ما بعدها ويتخطى ولم يجز لهم أن يقتدوا بمخالفيهم في كبس سنة الهلال بشهر ثالث عشر لأنهم لو فعلوا ذلك لتزحزحت الأشهر الحرم عن مواقعها وانحرفت المناسك عن حقائقها ونقصت الجباية عن سني الأهلة القبطية بقسط ما استغرقه الكبس منها فانتظروا بذلك الفضل إلى أن تتم السنة وأوجب الحساب المقرب أن يكون كل اثنين وثلاثين سنة شمسية ثلاثاً وثلاثين سنة هلالية فنقلوا المتقدمة إلى المتأخرة نقلاً لا يتجاوز الشمسية وكانت هذه الكلفة في دنياهم مستسهلة مع تلك النعمة في دينهم‏.‏

وقد رأى أمير المؤمنين نقل سنة خمسين وثلاثمائة الخراجية إلى سنة إحدى وخمسين وثلاثمائة الهلالية جمعاً بينهما ولزوماً لتلك السنة فيهما‏.‏

فاعمل بما ورد به أمر أمير المؤمنين عليك وما تضمنه كتابه هذا إليك ومر الكتاب قبلك أن يحتذوا رسمه فيما يكتبون به إلى عمال نواحيك ويخلدونه في الدواوين من ذكورهم ورفوعهم ويقررونه في دروج الأموال وينظمونه في الدفاتر والأعمال ويبنون عليه الجماعات والحسبانات ويوعزون بكتبه من الروزنامجات والبراآت وليكن المنسوب كان من ذلك إلى سنة خمسين وثلثمائة التي وقع النقل عنها معدولاً به إلى سنة إحدى وخمسين التي وقع النقل إليها وأقم في نفوس من بحضرتك من أصناف الجند والرعية وأهل الملة والذمة أن هذا النقل لا يغير لهم رسماً ولا يلحق بهم ثلماً ولا يعود على قابضي العطاء بنقصان ما استحقوا قبضه ولا على مؤدي حق بيت المال بإغضاء عما وجب أداؤه فإن قرائح أكثرهم فقيرة إلى إفهام أمير المؤمنين الذي يؤثر أن تزاح فيه العلة وتسد به منهم الخلة إذ كان هذا الشأن لا يتجدد إلا في المدد الطوال التي في مثلها يحتاج إلى تعريف الناشي وإذكار الناسي وأجب بما يكون منك جواباً يحسن موقعه لك إن المذهب الثاني مما كان يكتب عن الخلفاء في تحويل السنين أن يفتتح ما يكتب بلفظ من فلان أمير المؤمنين إلى أهل الدولة ‏"‏ ونحو ذلك ثم يؤتى بالتحميد وهو المعبر عنه بالتصدير وعليه كان يكتب خلفاء الفاطميين بالديار المصرية‏.‏

قال في ‏"‏ مواد البيان ‏"‏‏:‏ والطريق في ذلك أن يفتتح بعد التصدير والتحميد وهو على ضربين‏:‏ الضرب الأول ما كان يكتب في الدولة الأيوبية وكانت العادة فيه أن يفتتح بخرجت الأوامر ونحو ذلك ثم يذكر فيه نحواً مما تقدم‏.‏

وهذه نسخة مرسوم بتحويل السنة القبطية إلى السنة العربية من إنشاء القاضي الفاضل عن الملك الناصر ‏"‏ صلاح الدين يوسف بن أيوب ‏"‏ تغمده الله برحمته وهي‏:‏ خرجت الأوامر الصلاحية بكتب هذا المنشور وتلاوة مودعه بحيث يستمر ونسخه في الدواوين بحيث يستقر ومضمونه‏:‏ إن نظرنا لم يزل تتجلى له الجلائل والدقائق ويتوخى من الحسنات ما تسير به الحقائب والحقائق ويخلد من الأخبار المشروعة كل عذب الطرائق رائق ويجدد من الآثار المتبوعة ما هو بثناء الخلائق لائق ولا يغادر صغيرة ولا كبيرة من الخير إلا جهدنا أن نكسبها ولا يثوب بنا الداعي إلى مثوبة إلا رأينا أن نحتسبها لا سيما ما يكون للسنين الماضية ممضياً وإلى القضايا العادلة مفضياً ولمحاسن الشريعة مجلياً ولعوارض الشبه رافعاً ولتناقض الخبر دافعاً ولأبواب المعاملات حافظاً ولأسباب المغالطات لافظاً وللخواطر من أمراض الشكوك مصححاً وعن حقائق اليقين مفصحاً وللأسماع من طيف الاختلاف معفياً ولغاية الإشكال من طرق الأفهام معفياً‏.‏

ولما استهلت سنة كذا الهلالية وقد تباعد ما بينها وبين السنة الخراجية إلى أن صارت غلاتها منسوبة إلى ما قبلها وفي ذلك ما فيه‏:‏ من أخذ الدرهم المنقود عن غير الوقت المفقود وتسمية بيت المال ممطلاً وقد أنجز ووصف الحق المتلف بأنه دين وقد أعجز وأكل رزق اليوم وتسميته منسوباً إلى أمسه وإخراج المعتد لسنة هلاله إلى حساب المعتد إلى سنة شمسية‏.‏

وكان الله تعالى قد أجرى أمر هذه الأمة على تاريخ منزه عن اللبس موقر عن الكبس وصرح كتابه العزيز بتحريمه وذكر ما فيه من تأخير وقت النسيء وتقديمه والأمة المحمدية لا ينبغي أن يدركها الكسر كما أن الشمس لا ينبغي أن تدرك القمر وسننها بين الحق والباطل فارقة وسنتها أبداً سابقة والسنون بعدها لاحقة يتعاورها الكسر الذي يزحزح أوقات العبادات عن مواضعها ولا يدرك عملها إلا من دق نظره واستفرغت في الحساب فكره والسنة العربية تقطع بخناجر أهلتها الاشتباه وترد شهورها حالية بعقودها موسومة الجباه وإذا تقاعست السنة الشمسية عن أن تطأ أعقابها وتواطي حسابها اجتذبت قراها قسراً وأوجبت لحقها ذكراً وتزوجت سنة الشمس سنة الهلال وكان الهلال بينهما مهراً فسنتهم المؤنثة وسنتنا المذكرة وآية الهلال هنا دون آية الليل هي المبصرة وفي السنة العربية إلى ما فيها من عربية الإفصاح وراحة الإيضاح الزيادة التي تظهر في كل ثلاث وثلاثين سنة توفي على عدد الأمم قطعاً وقد أشار الله إليها بقوله‏:‏ ‏"‏ ولبثوا في كهفهم ثلاثمائة سنين وازدادوا تسعاً ‏"‏‏.‏

وفي هذه السنة الزائدة زيادة من لطائف السعادة ووظائف العبادة لأن أهل ملة الإسلام يمتازون على كل ملة بسنة في نظير تلك المدة قصدوا صلاتها وأدوا زكاتها وحجوا فيها البيت العتيق الكريم وصاموا فيها الشهر العظيم واستوجبوا فيها الأجور الجليلة وأنست فيها أسماعهم بالأعمار الطويلة ومخالفوهم فيها قد عطلت صحائفهم في عدوانهم وإن كانت عاطلة وخلت مواقفهم في أديانهم وإن لم تكن قط آهلة‏.‏

وقد رأينا باستخارة الله سبحانه والتيمن باتباع العوائد التي سلكها السلف ولم تسلك فيها السرف أن ينسخوا أسماءها من الخراج ويذهب ما بين السنين من الاضطراب والاعوجاج لا سيما والشهور الخراجية قد وافقت في هذه الشهور الشهور الهلالية وألقى الله في أيامنا الوفاق بين الأيام كما ألقى باعتلائنا الوفاق بين الأنام وأسكن بنظرنا ما في الأوقات من اضطراب وفي القلوب من اضطرام‏.‏

فليستأنف التاريخ في الدواوين المعمورة لاستقبال السنة المذكورة بأن توسم بالهلالية الخراجية لإزالة الالتباس ولإقامة القسطاس وإيضاحاً لمن أمره عليه غمة من الناس وعلى هذا التقرير تكتب سجلات التحضير وتنتظم الحسبانات المرفوعة والمشارع الموضوعة وتطرد القوانين المشروعة وتثبت المكلفات المقطوعة ولو لم يكن بين دواعي نقلها وعوارض زللها وزوالها إلا أن الأجناد إذا قبضوا واجباتهم عن منشور إلى سنة خمس في أواخر سنة سبع وسقط ساقطهم بالوفاة وجرى بحكم السمع لا بالشرع إلى أن يرث وارثه دون بيت المال مستغل السنة الخراجية التي يلتفي فيها تاريخ وفاته من السنة الهلالية وفي ذلك ما فيه مما يباين الإنصاف وينافيه لكفى‏.‏

وإذا كان العدل وضع الأشياء في مواضعها فلسنا نحرم أيامنا المحرمة بذمامنا ما رزقته أبناؤها من عدل أحكامنا بل نخلع عن جديدها المس كل المس ونمنع تبعة الضلال أن تسند مهادنته إلى نور الشمس ولا نجعل أيامنا معمورة بالأسقاط التي تجمعها بل مغمورة بالأقساط التي تنفعها فليبين التاريخ على بنيانه وليحسم الخلف الواقع في السنين بهذا الحق الصادع المبين ولينسخ المشهود به في جميع الدواوين وليكاتب بحكمه من الخراج إلى من يمكنه من المستخدمين - ومنها أن المستجد من الأجناد لو حمل على السنة الخراجية في استغلاله وعلى الهلالية في استقباله لكان محالاً على ما يكون محالاً وكان يتعجل استقبالاً ويباطن استغلالاً وفي ذلك ما ينافر أوصاف الإنصاف ويصون الفلاح إن شاء الله تعالى‏.‏

الضرب الثاني ما يكتب به في زماننا وقد جرت العادة أن يكتب في قطع الثلث وأنه يفتتح بخطبة مفتتحة ب ‏"‏ الحمد لله ‏"‏ ثم يقال‏:‏ وبعد فإنا لما اختصنا الله تعالى به من النظر في أمر الناس ومصالحهم ويذكر ما سنح له من ذلك ثم يقال‏:‏ ولما كان ويذكر قصة السنين‏:‏ الشمسية والقمرية وما يطرأ بينهما من التباعد الموجب لنقل الشمسية إلى القمرية ثم يقال‏:‏ اقتضى الرأي الشريف أن يحول مغل سنة كذا إلى سنة كذا وتذكر نسخة ذلك ثم يقال‏:‏ فرسم بالأمر الشريف الفلاني لا زال‏.‏

‏.‏

‏.‏

‏.‏

‏.‏

‏.‏

‏.‏

‏.‏

‏.‏

أن تحول سنة كذا إلى سنة كذا‏.‏

وهذه نسخة مرسوم بتحويل السنة القبطية إلى العربية وهي‏:‏ الحمد لله الذي جعل الليل والنهار آيتين وصير الشهور والأعوام لابتداء المدد وانتهائها غايتين ليعلم خلقه عدد السنين والحساب وتعمل بريته على توفية الأوقات حقها من الأفعال التي يحصل بها الاعتداد ويحسن بها الاحتساب‏.‏

نحمده على ما خص أيامنا الزاهرة من إنعام النظر في مصالح خلقه وإمعان الفكر في تشييد ما بسط لهم من رزقه وإزالة الضرر في تيسير القيام بما أوجب عليهم من حقه ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة عاصمة من الزيغ ذا هوى معتصمة من التوفيق بأقوى أسباب التوثيق وأوثق أسباب القوى شافعة حسن العمل في مصالح العباد بحسن النية فإن الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى ونشهد أن محمداً عبده ورسوله الذي بعثه الله رحمة للعالمين وحجة على العاملين ونشر دعوته في الآفاق فأيده لإقامتها بنصره وبالمؤمنين صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين أمروا فأطاعوا ونهوا فاجتنبوا ما نهوا عنه ما استطاعوا صلاة تنمي نماء البذور وتبقى بقاء الدهور وتطوى بنشرها مراحل الأيام إلى يوم النشور‏.‏

وبعد فإنا لما اختصنا الله تعالى به من التوفر على مصالح الإسلام والتناول لما تنشرح به في مواقف الجهاد صدور السيوف وتنطق به في مصالح العباد ألسنة الأقلام نتبع كل أمر فنسد خلله ونثقف ميله ونقيم أوده وننظر ليومه بما يصلح به يومه ولغده بما يصلح غده إصلاحاً لكل حال بحسبه وتقريباً لكل شيء على ما هو أليق بشأنه وإقرار لكل أمر على ما هو الأحسن به‏.‏

ولما كان الزمان مقسوماً بين سنين شمسية يتفق فيها ما أخرج الله تعالى من الرزق لعباده ويحصل بها ميقات القوت الذي قال الله تعالى فيه‏:‏ ‏"‏ كلوا من ثمره إذا أثمر وآتوا حقه يوم حصاده ‏"‏ وقمرية لا يعول في أحكام الدين إلا عليها ولا يرجع في تواريخ الإسلام إلا إليها ولا يعتبر العبادة الزمانية إلا بأهلتها ولا يهتدى إلى يوم الحج الأكبر إلا بأدلتها ولا يعتاد في العدد التي تحفظ بها الأنساب إلا بأحكامها ولا تعلم الأشهر الحرم إلا بوجودها في الأوقات المخصوصة من عامها وكان قد حصل بينهما من تفاوت الأيام في المدد واختلاف الشهور الهلالية في العدد ما يلزم منه تداخل مغل في مغل ونسبة شيء راح وانقضى إلى ما أدرك الآن وحصل ويؤدي ذلك إلى إبقاء سنة بغير خراج وهدر ما يجب تركه فليس الوقت إليه محتاج وإلغاء ما يتعين إلغاؤه وإسقاط ما تلتفت إليه الأذهان وهو لا يمكن رجاؤه وإن كان ذلك الإسقاط لا ضرر فيه على العباد والبلاد ولا نقص ينتج منه للأمراء والأجناد ولا حقيقة له ولا معنى ولا إهمال شيء أفقر ترك ولا إبقاؤه أغنى ولكن صار ذلك من عوائد الزمن القديمة ومصطلحاً لا تزال العقول بالاحتياج إلى فعله عليمة وأمراً لا بد للملك منه وحالاً لا مندوحة للدول عنه لتغدو التصرفات على الاستقامة ماشية والمعاملات من الحق ناشية ويعفى رسم ما لم يكن في الحقيقة رابط ويزال اسم ما لو توسمه الفضل لأضحى كأنه يغالط - اقتضى حسن الرأي الشريف أن تحول هذه السنة التي يحصل بها الكبس وأن يدحضها يقين النفس وأن يرفع ما بها من أشكال الإشكال ويزال هذا السبب الذي نشأ عنه دخول الأكثر باستدراج الأقل فلا يكون للأذهان عليه اتكال - نظراً بذلك في مصالح الأمة ودفعاً لما يجدونه من أوهام مدلهمة وعملاً يطابق به الدليل حكمه ويوافق فيه اللفظ معناه والفعل اسمه وتخفيفاً عن الرعية من لزوم ما لا يلزم في الحقيقة عملاً بقوله تعالى‏:‏ ‏"‏ ذلك تخفيف من ربكم ورحمة ‏"‏‏.‏

فلذلك رسم بالأمر الشريف - لا زال عدله سائراً في الأيام والأنام وفضله سائداً بالرفق الذي تغدوا به العقول والعيون كأنها من الأمن في منام - أن يحول مغل سنة تسع وأربعين وسبعمائة بالديار المصرية المحروسة لمغل سنة خمسين وسبعمائة ويلغى اسم مغل السنة المذكورة من الدواوين المعمورة ولا ينسب إليها مغل بل يكون مغل سنة خمسين وسبعمائة تالياً لمغل سنة ثمان وأربعين وسبعمائة وتستقر السنة حينئذ هلالية خراجية بحكم دوران السنين واستحقاق هذا التحويل من مدة خمس عشرة سنة حيث اتفق مبدإ السنين الشمسية والقمرية ووقوع الإغفال عن هذا المبهم في الدولة الماضية لتكون هذه الدولة الشريفة قائمة بما قعد عنه من مضى من الدول مقومة بعون الله لكل متأود من الزيغ والخلل لما في ذلك من المصالحة العامة والمنحة التامة والحق الواضح والقصد الناجح والمنهج القويم والصراط المستقيم والاعتماد على الشهور القمرية قال الله تعالى‏:‏ ‏"‏ والقمر قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون القديم ‏"‏‏.‏

فليعتمد حكم ما قررناه وليمتثل أمر ما أمرناه وليثبت ذلك في الدواوين وليشهر نبؤه المبين وليسقط ما تخلل بين هاتين السنتين من المغل الذي لا حقيقة له وليترك ما بينهما من التفاوت الذب لا تعرف الحسبانات معدله وليمح اسم هذه الأيام من الدفاتر ولينس حكمها فإنها أولى بذلك في الزمن الآتي والغابر فليس المغل سوى للعام الذي وجد فيه سببه وظهر فيه حصوله وتعين طلبه وأدرك في إبانه وجاء في زمانه وأينع به ثمر غرسه واستحق في وقته لا كما يلزم أن يكون اليوم في أمسه وفي ذلك من الأسباب الباعثة على ما رسمنا به والدواعي اللازمة لذهابه والبراهين القاطعة بقطعه والدلائل الواضحة على دفعه ما قدمناه‏:‏ من المصالح المعينة والطرق المبينة وإزالة الأوهام وتأكيد الأفهام وإراحة الخواطر وإزاحة ما تتشوق إليه الظنون في المظاهر وليبطل ذلك من الارتفاعات بالكلية ويسقط من الجرائد لتغدو الحسبانات منه خلية ولا يذكر مغل السنة المدحوضة في سجل ولا مشروح ولا مشهود يغدو حكمه ويروح ولا مكلفات تودعها الأقلام شيئاً على المجاز وهو في الحقيقة مطروح لتثبت الحسنات لأيامنا الزاهرة في هذا الصحو ويتمسك في صحة العبادات والمعاملات بالسنين العربية من غير خروج عن ذلك النحو والله تعالى يبين بنا طرق الصواب ويحسن ببقاء ملكنا الشريف المآل والمآب ويجعل دولتنا توضح الأحكام على اختلاف الجديدين‏:‏ ‏"‏ إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب ‏"‏‏.‏

والاعتماد فيه على الخط الشريف - أعلاه الله تعالى - أعلاه إن شاء الله تعالى‏.‏

حادي عشرين جمادى الأولى سنة خمسين وسبعمائة‏.‏

حسب المرسوم الشريف بالإشارة الكافلية السيفية كافل الممالك الشريفة الإسلامية أعز الله تعالى نصرته ثم الحمدلة والتصلية والحسبلة‏.‏

قلت‏:‏ وهذه النسخة صدرها إلى قوله‏:‏ والشهور الهلالية أجنبي عما بعد ذلك من تتمة الكلام‏.‏

وذلك أني ظفرت بعجز النسخة وهو المكتتب في تحويل سنة تسع وأربعين في نفس المرسوم الشريف الذي شملته العلامة الشريفة وقد قطع أوله فركبتها على هذا الصدر‏.‏

ومن عجيب ما يذكر في ذلك أن سنة تسع وأربعين التي حولت إلى سنة خمسين هي السنة التي وقع فيها الطاعون الجارف الذي عم القطار خلا المدينة النبوية على ساكنها أفضل الصلاة والسلام التي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه لا يدخلها الطاعون وكثر فيها الموت حتى انتهى إلى عشرين ألفاً في اليوم الواحد وكان يقال في هذه السنة لما حولت‏:‏ مات كل شيء حتى

  الفصل الثاني من الباب الرابع من المقالة السادسة فيما يكتب في التذاكر

وفيه ثلاثة أضرب الضرب الاول عنوان التذكرة وترتيبها والتذاكر جمع تذكرة‏.‏

قال ‏"‏ في مواد البيان ‏"‏‏:‏ وقد جرت العادة أن تتضمن جمل الأموال التي يسافر بها الرسول ليعود إليها إن أغفل شيئاً منها أو نسيه أو تكون حجة له فيما يورده ويصدره قال‏:‏ ولا غنى بالكاتب عن العلم بعنواناتها وترتيبها‏.‏

فأما عنوان التذكرة فيكون في صدرها تلو البسملة فإن كانت للرسول يعمل عليها قيل‏:‏ تذكرة منجحة صدرت على يد فلان عند وصوله إلى فلان بن فلان وينتهي بمشيئة الله تعالى إلى ما نص فيها وإن كانت حجة له يعرضها لتشهد بصدق ما يورده قيل‏:‏ تذكرة منجحة صدرت على يد فلان بن فلان بما يحتاج إلى عرضه على فلان‏.‏

وأما الترتيب فيختلف أيضاً بحسب اختلاف العنوان‏:‏ فإن كانت على الرسم الأول كان بصدرها ‏"‏ قد استخرنا الله عز وجل وندبناك أو عولنا عليك أو نفذناك أو وجهناك إلى فلان‏:‏ لإيصال ما أودعناك وشافهناك به من كذا وكذا ‏"‏ ويقص جميع الأغراض التي ألفيت إليه مجملة‏.‏

وإن كانت محمولة على يده كالحجة له فيما يعرضه قيل‏:‏ ‏"‏ قد استخرنا الله عز وجل وعولنا عليك في تحمل تذكرتنا هذه والشخوص بها إلى فلان أو النفوذ أو التوجه أو المصير أو القصد بها وإيصالها إليه وعرض ما تضمنه عليه من كذا وكذا ‏"‏ ويقص جميع أغراضها‏.‏

ثم قال‏:‏ وهذه التذاكر أحكامها أحكام الكتب في النفوذ عن الأعلى إلى الأدنى وعن الأدنى إلى الأعلى فينبغي أن تبتنى على ما يحفظ رتب الكاتب والمكتوب إليه‏:‏ فإن كانت صادرة عن الوزير إلى الخليفة مثلاً فتصدر بما مثاله ‏"‏ قد استخرت الله تعالى وعولت عليك في الشخوص إلى حضرة أمير المؤمنين - صلوات الله عليه - متحملاً هذه التذكرة فإذا مثلت بالمواقف المطهرة فوفها حقها من الإعظام والإكبار والإجلال والوقار وقدم تقبيل الأرض والمطالعة بما أشاء مواصلته من شكر نعم أمير المؤمنين الضافية علي المتتابعة لدي وإخلاصي لطاعته وانتصابي في خدمته وتوفيري على الدعاء بثبات دولته وخلود مملكته وطالع بكذا وكذا ‏"‏ وعلى هذا النظام إلى آخر المراتب يعني مراتب المكاتبات‏.‏

قال‏:‏ والذي جرى عليه اصطلاح كتاب الزمان في التذاكر أن التذكرة تكتب في قطع الشامي تكسر فيها الفرخة الكاملة نصفين وتجعل دفتراً وورقة إلى جنب أخرى لا كراسة بعضها داخل بعض وتكون كتابتها بقلم الرقاع وتكون البسملة في أعلى باطن الورقة الأولى ببياض قليل من أعلاها وهامش عن يمينها ثم يكتب السطر التالي من التذكرة على سمت البسملة ملاصقاً لها ثم يخلى قدر عرض إصبعين بياضاً ويكتب السطر التالي ثم يخلى قدر إصبع بياضاً ويكتب السطر التالي ويجري في بافي الأسطر على ذلك حتى يأتي على آخر الورقة ثم يكتب باطن الورقة التي تليها كذلك ثم ظاهرها كذلك ثم الورقة الثانية فما بعدها على الترتيب إلى آخر التذكرة ثم يكتب ‏"‏ إن شاء الله تعالى ‏"‏ ثم التاريخ ثم الحمدلة والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ثم الحسبلة على نحو ما تقدم في المكاتبات والولايات وغيرها على ما تقدم بيانه في المقالة الثالثة في الكلام على الخواتم‏.‏

وهذه نسخة تذكرة أنشأها القاضي الفاضل عن السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب سيرها صحبة الأمير شمس الدين الخطيب‏:‏ أحد أمراء الدولة الصلاحية إلى أبواب الخلافة ببغداد في خلافة الناصر لدين الله وهي‏:‏ تذكرة مباركة ولم تزل الذكرى للمؤمنين نافعة ولغوارض الشك دافعة ضمنت أغراضاً يقيدها الكتاب إلى أن يطلقها الخطاب‏.‏

على أن سائر سيار البيان والرسول يمضي على رسل التبيان والله سبحانه يسدده قائلاً وفاعلاً ويحفظه بادئاً وعائداً ومقيماً وراحلاً‏.‏

الأمير الففيه شمس الدين خطيب الخطباء - أدام الله نعمته وكتب سلامته وأحسن صحابته - يتوجه بعد الاستخارة ويقصد دار السلام والخطة التي هي عش بيضة الإسلام ومجتمع رجاء الرجال ومتسع رحاب الرحال فإذا نظر تلك الدار الدار سحابها وشافه بالنظر معالم ذلك الحرم المحرم على الخطوب خطابها ووقف أمام تلك المواقف التي تحسد الأرجل عليها الرؤوس وقام بتلك المنازل التي تنافس الأجسام فيها النفوس - فلو استطاعت لزارت الأرواح محرمة من أجسادها وطافت بكعبتها متجردة من أغمادها - فليمطر الأرض هناك عناً قبلاً تخضلها بأعداد لا نحصلها وليسلم عليها سلاماً نعتده من شعائر الدين اللازمة وسنن الإسلام القائمة وليورد عنا تحية يستنزلها من عند الله تحية مباركة طيبة وصلاة تخترق أنوارها الأستار المحجبة وليصافح عنا بوجهه صفحة الثرى وليستشرف عنا بنظره فقد ظفر بصباح السرى وليستلم الأركان الشريفة فإن الدين إليها مستند وليستدم الملاحظات اللطيفة فإن النور منها مستمد وإذا قضى التسليم وحق اللقاء واستدعى الإخلاص جهد الدعاء فليعد وليعد حوادث ما كانت حديثاً يفترى وجواري أمور إن قال منها كثيراً فأكثر منه ما جرى وليشرح صدراً منها لعله يشرح منا صدراً وليوضح الأحوال المستسرة فإن الله لا يعبد سراً‏:‏ ومن الغرائب أن تسير غرائب في الأرض لم يعلم بها المأمول كالعيس أقتل ما يكون لها الظما والماء فوق ظهورها محمول فإنا كنا نقتبس النار بأيدينا وغيرنا يستنير ونستنبط الماء بأيدينا وغيرنا يستمير ونلقى السهام بنحورنا وغيرنا يغير التصوير ونصافح الصفاح بصدورنا وغيرنا يدعي التصدير ولا بد أن نسترد بضاعتنا بموقف العدل الذي ترد به الغصوب ونظهر طاعتنا فنأخذ بحظ الألسنة كما أخذنا بحظ القلوب وما كان العائق إلا أنا كنا ننظر ابتداء من الجانب الشريف بالنعمة يضاهي ابتداءنا بالخدمة وإيجاباً للحق يشاكل إيجابنا للسبق إلى أن يكون سحابها بغير يد مستنزلاً وروضها بغير غرس مطفلاً‏.‏

كان أول أمرنا أنا كنا في الشام نفتح الفتوحات مباشرين بأنفسنا ونجاهد الكفار متقدمين لعساكره نحن ووالدنا وعمنا فأي مدينة فتحت أو معقل ملك أو عسكر للعدو كسر أو مصاف للإسلام معه ضرب فما يجهل أحد ولا يجحد عدو أنا نصطلي الجمرة ونملك الكسرة ونتقدم الجماعة ونرتب المقاتلة وندبر التعبئة إلى أن ظهرت في الشام الآثار التي لنا وكانت أخبار مصر تتصل بنا الأحوال عليه فيها من سوء التدبير ومما دولتها عليه من غلبة صغير على كبير وأن النظام قد فسد والإسلام بها قد ضعف عن إقامته كل قائم بها وقعد والفرنج قد احتاج من يدبرها إلى أن يقاطعهم بأموال كثيرة لها مقادير خطيرة وأن كلمة السنة بها وإن كانت مجموعة فإنها مقموعة وأحكام الشريعة وإن كانت مسماة فإنها متحاماة وتلك البدع بها على ما يعلم وتلك الضلالات فيها على ما يفتى منها بفراق الإسلام ويحكم وذلك المذهب قد خالط من أهله اللحم والدم وتلك الأنصاب قد نصبت آلهة تتخذ من دون الله تعظم وتفخم فتعالى الله عن شبه العباد وويل لمن غره تقلب الذين كفروا في البلاد‏.‏

فسمت هممنا دون همم ملوك الأرض إلى أن نستفتح مقفلها ونسترجع للإسلام شاردها ونعيد على الدين ضالته منها فسرنا إليها بعساكر ضخمة وجموع جمة وبأموال انتكهت الموجود وبلغت منا المجهود وأنفقناها من خالص ذممنا وكسب أيدينا ومن أسارى الفرنج الواقعين في قبضتنا فعرضت عوارض منعت وتوجهت للمصريين حيل باستنجاد الفرنج تمت‏:‏ ولكل أجل كتاب ولكل أمل باب‏.‏

وكان في تقدير الله سبحانه أنا نملكها على الوجه الأحسن ونأخذها بالحكم الأقوى الأمكن فغدر الفرنج بالمصريين غدرة في هدنة عظم خطبها وخبطها وعلم أن استئصال كلمة الإسلام محطها وكاتبنا المسلمون من مصر في ذلك الزمان كما كاتبنا المسلمون من الشام في هذا الأوان بأنا إن لم ندرك الأمر وإلا خرج من اليد وإن لم ندفع غريم اليوم لم يمهل إلى الغد فسرنا بالعساكر الموجودة والأمراء الأهل المعروفة إلى بلاد قد تمهد لنا بها أمران وتقرر لنا فيها في القلوب ودان‏:‏ الأول لما علموه من إيثارنا المذهب الأقوم وإحياء الحق الأقدم والآخر لما يرجونه من فك إسارهم وإقالة عثارهم ففعل الله ما هو ما هو أهله وجاء الخبر إلى العدو فانقطع حبله وضاقت به سبله وأفرج عن الديار بعد أن كانت ضياعها ورساتيقها وبلادها وإقليمها قد نفذت فيها أوامره وخفقت عليها صلبانه وأمن من أن يسترجع ما كان بأيديهم حاصلاً وأن يستنفذ ما صار في ملكهم داخلاً ووصلنا البلاد بها أجناد عددهم كثير وسوادهم كبير وأموالهم واسعة وكلمتهم جامعة وهم على حرب الإسلام أقدر منهم على حرب الكفر والحيلة في السر منهم أنفذ من العزيمة في الحهر‏.‏

وبها راجل من السودان يزيد على مائة ألف رجل كلهم أغتام أعجام إن هم كالأنعام لا يعرفون ربا إلا ساكن قصره ولا قبلة إلا ما يتوجهون إليه من ركنه‏.‏

وبها عسكر من الأرمن باقون على النصرانية موضوعة عنهم الجزية كانت لهم شوكة وشكة وحمية وحمة ولهم حواش لقصرهم من بين داع تلطف في الضلال مداخله وتصيب العقول مخاتله ومن بين كتاب أقلامهم تفعل أفعال الأسل وخدام يجمعون إلى سواد الوجود سواد النحل ودولة قد كبر عليها الصغير ولم يعرف غيرها الكبير ومهابة تمنع خطرات الضمير فكيف لحظات التدبير‏.‏

هذا إلى إستباحة للمحارم ظاهرة وتعطيل للفرائض على عادة جارية وتحريف للشريعة بالتأويل وعدول إلى غير مراد الله في التنزيل وكفر سمي بغير اسمه وشرع يتستر به ويحكم بغير حكمه‏.‏

فما زلنا نسحتهم سحت المبارد للشفار ونتحيفهم تحيف الليل والنهار للأعمار بعجائب تدبير لا تحتملها المساطير وغرائب تقرير لا تحملها الأساطير ولطف توصل ما كان في حيلة البشر ولا قدرتهم إلا إعانة المقادير وفي أثناء ذلك استنجدوا علينا الفرنج دفعة إلى بلبيس ودفعة إلى دمياط في كل منهما وصلوا بالعدو المجهر والحشد الأوفر وخصوصاً في نوبة دمياط فإنهم نازلوها بحراً في ألف مركب مقاتل وحامل وبراً في مائتي ألف فارس وراجل وحصروها شهرين يباركونها ويراحمونها ويماسونها ويصابحونها القتال الذي يصليه الصليب والقراع الذي ينادي به من مكان قريب ونحن نقاتل العدوين‏:‏ الباطن والظاهر ونصابر الضدين‏:‏ المنافق والكافر حتى أتى الله بأمره وأيدنا بنصره وخابت المطامع من المصريين ومن الفرنج ومن ملك الروم ومن الجنويين وأجناس الروم لأن أنفارهم تنافرت ونصارهم تناصرت وأناجيل طواغيتهم رفعت وصلب صلبوتهم أخرجت وشرعنا في تلك الطوائف من الأجناد والسودان والأرمن فأخرجناهم من القاهرة تارة بالأوامر المرهقة لهم وبالذنوب الفاضحة منهم وبالسيوف المجردة وبالنار المحرقة حتى بفي القصر ومن به من خدمه قد تفرقت شيعه وتمزقت بدعه وخفتت دعوته وخفيت ضلالته فهنالك تمت لنا إقامة الكلمة والجهر بالخطبة والرفع للواء السواد الأعظم والجمع لكلمة السواد الأعظم وعاجل الله الطاغية الأكبر بفنائه وبرأنا من عهده يمين كان حنثها أيسر من إثم إبقائه إلا أنه عوجل لفرط روعته ووافق هلاك شخصه هلاك دولته‏.‏

ولما خلا ذرعنا ورحب وسعنا نظرنا في الغزوات إلى بلاد الكفار فلم تخرج سنة إلا عن سنة أقيمت فيها براً وبحراً ومركباً وظهراً إلى أن أوسعناهم قتلاً وأسراً وملكنا رقابهم قهراً وقسراً وفتحنا لهم معاقل ما خطر أهل الإسلام فيها منذ أخذت من أيديهم وما أوجفت فيها خيلهم ولا ركابهم مذ ملكها أعاديهم فمنها ما حكمت فيه يد الخراب زمنها ما استولت عليه يد الاكتساب ومنها قلعة بثغر أيلة كان العدو قد بناها في بحر الهند وهو المسلوك منه إلى الحرمين واليمن وغزا ساحل الحرم فسبى منه خلقاً وخرق الكفر في هذا الجانب خرقاً فكادت القبلة أن يستولي على أصلها ومساجد لله أن يسكنها غير أهلها ومقام الخليل صلوات الله عليه أن يقوم به من ناره غير برد وسلام ومضجع الرسول شرفه الله أن يتطرقه من لاغ يدين بما جاء به من الإسلام ففتح الله هذه القلعة وصارت معقلاً للجهاد وموئلاً لسفار البلاد وغيرهم من عباد العباد فلو شرح ما تم بها للمسلمين من الأثر الجليل وما استد من خلاتهم وأحرق من زروع المشركين ورعي من غلاتهم إلى أن ضعفت ثغورهم واختلت أمورهم لا حتيج فيه إلى زمن يشغل عن المهمات الشريفة لسماع مورده وإيضاح مقصده‏.‏

وكان باليمن ما علم من ابن المهدي الضال وله آثار في الإسلام وثار طالبه النبي عليه الصلاة والسلام لأنه سبى الشرائف الصالحات وباعهن بالثمن البخس واستباح منهن كل ما لا تقر عليه النفس وكان ببدعه دعا إلى قبر أبيه وسماه كعبة وأخذ أموال الرعايا المعصومة وأجاحها وأحل الفروج المحرمة وأباحها فأنهضنا إليه أخانا بعسكرنا بعد أن تكلفنا له نفقات واسعة وأسلحة رائعة وسار فأخذناه ولله الحمد وأنجح الله فيه القصد ووردتنا كتب عساكرنا وأمرائنا بما نفذ في ابن مهدي وبلاده المفتتحة ومعاقله المستضافة والكلمة هنالك بمشيئة الله إلى الهند سارية وإلى ما لم يفتض الإسلام عذرته مذ أقام الله كلمته متمادية‏.‏

ولنا في المغرب أثر أغرب وفي أعماله أعمال دون مطلبها كما يكون المهلك دون المطلب وذلك أن بني عبد المؤمن قد اشتهر أن أمرهم أمر وملكهم قد عمر وجيوشهم لا تطاق وأوامرهم لا تشاق ونحن والحمد لله قد ملكنا مما يجاورنا منه بلاداً تزيد مسافتها على شهر وسيرنا عسكراً بعد عسكر رجع بنصر بعد نصر ومن البلاد المشاهير والأقاليم الجماهير - لك - برقة - قفصة - قسطيلية - توزر كل هذه تقام فيها كل هذه تقام فيها الخطبة لمولانا الإمام المستضيء بالله سلام الله عليه ولا عهد للإسلام بإقامتها وتنفذ فيها الأحكام بعلمها المنصور وعلامتها‏.‏

وفي هذه السنة كان عندنا وفد وقد شاهده وفود الأمصار مقداره سبعون راكباً كلهم يطلب لسلطان بلده تقليداً ويرجوا منا وعداً ويخاف وعيداً‏.‏

وقد صدرت عنا بحمده الله تقاليدها وألقيت إلينا مقاليدها وسيرنا الخلع والألوية والمناشير بما فيها من الأوامر والأقضية‏.‏

وأما الأعداء الذين يحدقون بهذه البلاد والكفار الذين يقاتلونها بالممالك العظام والعزائم الشداد فمنهم صاحب قسطنطينية وهو الطاغية الأكبر والجبار الأكفر وصاحب المملكة التي أكلت على الدهر وشربت وقائم النصرانية التي حكمت دولته على ممالكها وغلبت وجرت لنا معه غزوات بحرية ومناقلات ظاهرية وسرية وكانت له في البلاد مطامع منها أن يجبي خراجاً ومنها أن يملك منه فجاجاً وكانت غصة لا يسيغها الماء وداهية لا ترجى لهل الله تعال الأرض بل السماء فأخذنا ولله الحمد بكظمه وأقمناه على قدمه ولم نخرج من مصر إلى أن وصلتنا رسله في جمعة واحدة في نوبتين بكتابين كل واحد منهما يظهر فيه خفض الجناح وإلقاء السلاح والانتقال من معاداة إلى مهاداة ومن مناضحة إلى مناصحة حتى إنه أنذر بصاحب صقلية وأساطيله التي يرد ذكرها وعساكره التي لم يخف أمرها‏.‏

ومن هؤلاء الكفار صاحب صقلية هذا كان حين علم أن صاحب الشام وصاحب قسطنطينية قد اجتمعا في نوبة دمياط فغلبا وهزما وكسرا أراد أن يظهر قوته المستقلة بمفردها وعزمته القائمة بمجردها فعمر أسطولاً استوعب فيه ماله وزمانه‏:‏ فإنه إلى الآن منذ خنس سنين يكثر عدته وينتخب عدته ويجتلب مقاتلته إلى وصل منها في السنة الخالية إلى إسكندرية أمر رائع وخطب هائل ما أثقل ظهر البحر مثل حمله ولا ملأ صدره مثل خيله ورجله ما هو إقليم بل أقاليم نقله وجيش ما احتفل ملك قط بنظيره لولا أن الله خذله ولو ذهبنا نصف ما ذهب فيه من ذهب وما أخذ منه من سلاح وخيل وعدد ومجانيق ومن أسر منه من خيالة كبار ومقدمين ذوي أقدار وملوك يقاطعون بالجمل التي لها مقدار وكيف أخذه وهو في العدد الأكثر بالعدد الأقل من رجالنا وكيف نصر الله عليه مع الأصعب من قتاله بالأسهل من قتالنا لعلم أن عناية الله بالإسلام تغنيه عن السلاح وكفاية الله لهذا الدين تكفيه مؤونة الكفاح ومن هؤلاء الجنوبيين الذين يسربون الجيوش - البنادقة - البياشنة - الجنوية كل هؤلاء تارة لا تطاق ضراوة ضرهم ولا تطفأ شرارة شرهم وتارة يجهزون سفاراً يحتكمون على الإسلام في الأموال المجلوبة وتقصر عنهم يد الحكام المرهوبة وما منهم الآن إلا من يجلب إلى بلدنا آلة قتاله وجهاده وبتقرب إليها بإهداء طرائف أعماله وبلاده وكلهم قد قررت معه المواصفة وانتظمت معه المسالمة على ما نريد ويكرهون ونؤثر ولا يؤثرون‏.‏

ولما قضا الله بالوفاة النورية وكنا في تلك السنة على نية الغزو والعساكر قد ظهرت والمضارب قد برزت ونزل الفرنج بانياس وأشرفوا على احتيازها ورأوها فرصة مدوا إليها يد انتهازها استصرخ بنا صاحبها للممانعة واستنهضنا لتفريج الكرب الواقعة فسرنا مراحل اتصل بالعدو أمرها وعوجل بالهدنة الدمشقية التي لولا مسيرنا ما انتظم حكمها ولا قبل كثيرها ولا قليلها ثم عدنا إلى البلاد فتوافت إلينا الأخبار بما الدولة النورية عليه من تشعب الآراء وتوزعها وتشتت الأمور وتقطعها وأن كل قلعة قد حصل فيها صاحب وكل جانب قد طمح إليه طالب والفرنج قد بنوا بلاداً يتحيفون يها الأطراف الإسلامية ويضايقون بها البلاد الشامية وأمراء الدولة قد سجن أكابرهم وعوقبوا وصودروا والمماليك الذين للمتوفى أغرار خلقوا للأطراف لا للصدور وجعلوا للقيام لا للجلوس في المحفل المحصور وقد مدوا الأعين والأيدي والسيوف وساءت سيرتهم في المر بالمنكر والنهي عن المعروف وكل واحد يتخذ عند الفرنج يداً ويجعلهم لظهره سنداً ويرفع عنهم ذخيرة كانت للإسلام ويفرج لهم عن أسير من أكابر الكفار كان مقامه مما يدفع شراً ولا يزيد نار الكفر جمراً وإطلاقه يجلب قطيعة تقوي إسلاماً وتضعف كفراً فكثرت إلينا مكاتبات أهل الآراء الصائبة ونظرنا للإسلام ولنا ولبلاد الإسلام في العاقبة وعرفنا أن البيت المقدس إن لم تتيسر الأسباب لفتحه وأمر الكفر إن لم يجرد العزم في قلعه وإلا ثبتت عروقه واتسعت على أهل الدين خروقه وكانت الحجة لله قائمة وهمم القادرين بالقعود آثمة وإنا لا نتمكن بمصر منه مع بعد المسافة وانقطاع العمارة وكلال الدواب وإذا جاورناه كانت المصلحة بادية والمنفعة جامعة واليد قادرة والبلاد قريبة والغزوة ممكنة والميرة متسعة والخيل مستريحة والعساكر كثيرة والجموع متيسرة والأوقات مساعدة وأصلحنا ما في الشام من عقائد معتلة وأمور مختلو وأراء فاسدة وأمراء متحاسدة وأطماع غالبة وعقول غائبة وحفظنا الولد القائم بعد أبيه وكفلناه كفالة من يقضي الحق ويوفيه فإنا به أولى من قوم يأكلون الدنيا باسمه ويظهرون الوفاء بخدمه وهم عاملون بظلمه والمراد الآن هو كل ما يقوي الدولة ويؤكد الدعوة ويجمع الأمة ويحفظ الألفة ويضمن الزلفة ويفتح بقية البلاد ويطبق بالاسم العباسي كل ما تخطئه العهاد - ونحن نقترح على الأحكام المعهودة وننتظر أن يأتي الإنعام على الغايات المزيدة وهو تقليد جامع لمصر والمغرب واليمن والشام وكل ما تشتمل عليه الولاية النورية وكل ما يفتحه الله للدولة بسيوفنا وسيوف عساكرنا ولمن نقيمه من أخ وولد من بعدنا تقليداً يضمن للنعمة تخليداً وللدعوة تجديداً مع ما ينعم به من السمات التي يقتضيها الملك فإن الإمارة اليوم بحسن نيتنا في الخدمة تصرف بأقلامنا وتستفاد من تحت أعلامنا ويتبين أن أمراء الدولة النورية يحتاج إليهم في فتح البلاد القدسية ضرورة‏:‏ لأنها منازل العساكر ومجمع الأنفار والعشائر فمتى لم يكن عليهم يد حاكمة وفيهم كلمة نافذة منعهم ولاة البلاد وبغاة العناد‏.‏

وبالجملة فالشام لا ينتظم أمره بمن فيه وفتح بيت المقدس ليس له قرن يقوم به ويكفيه والفرنج فهم يعرفون منا خصماً لا يمل الشر حتى يملوا وقرناً لا يزال يحرم السيف حتى يحلوا حتى إنا لما جاورناهم في الأمد القريب وعلموا أن المصحف قد جاء بأيدينا يخاصم الصليب استشعروا بفراق بلادهم وتهادوا التعازي لأرواحهم بأجسادهم وإذا سدد رأينا حسن الرأي ضربنا بسيف يقطع في غمده وبلغنا المنى بمشيئة الله ويد كل مسلم تحت برده واستنقذنا أسيراً من المسجد الذي أسرى الله إليه بعبده‏.‏

هذا ما لاح طلبه على قدر الزمان والأنفس تطلب على مقدار الإحسان فإن في استنهاض نيات الخدام بالإنعام ما يعود على الدولة منافعه وتنكأ الأعداء مواقعه وتبعث العزائم من موت منامها وتنفض عن البصائر غبار ظلامها والله تعالى ينجد إرادتنا في الخدمة بمضاعفة الاقتدار ومساعدة الأقدار إن شاء الله تعالى‏.‏

الضرب الثاني ما كان يكتب لنواب السلطنة بالديار المصرية عند سفر السلطان عن الديار المصرية‏:‏ والعادة أن يكتب فيما يتعلق بمهمات الديار المصرية وأحوالها ومصالحها وما يترتب فيها وما يمشي على حكمه بمصر والقاهرة المحروستين وسائر أعمال الديار المصرية وما تبرز به المراسيم الشريفة في أمورها وقضاياها واستخراج أموالها وحمولها وعمل جسورها وحفائرها وما يتجدد في ذلك وما يجري هذا المجرى م سائر التعلقات وتصدر بذلك التذكرة‏.‏

وهذه نسخة تذكرة سلطانية كتب بها عن السلطان الملك الصالح علي ابن الملك المنصور قلاوون الصالحي لكافل السلطنة بالديار المصرية الأمير زين الدين كتبغا عند سفر السلطان الملك المصور إلى الشام واستقرار كتبغا المذكور نائباً عنه في سنة تسع وسبعين وستمائة من إنشاء محمد بن المكرم بن أبي الحسن الأنصاري أحد كتاب الدرج يومئذ ومن خطه نقلت وهي‏:‏ تذكرة نافعة للخيرات جامعة يعتمد عليها المجلس العالي الأميري الزيني كتبغا المنصوري نائب السلطنة الشريفة - أدام الله عزه - في مهمات الديار المصرية وأحوالها ومصالحها وما يترتب بها وما يبت ويفصل في القاهرة ومصر المحروستين وسائر أعمال الديار المصرية صانها الله تعالى وما تستخرج به المراسيم الشريفة المولوية السلطانية الملكية الصالحية الفلانية - أنفذها الله تعالى - في أمورها وقضاياها وولاياتها وولاتها وحمولها وحفيرها وحفظها ومجدداتها على ما شرح فيه‏:‏ فصل الشرع الشريف‏:‏ يشد من حكامه وقضاته في تنفيذ قضاياه وتصريف أحكامه والشد منه في نقضه وإبرامه‏.‏

فصل العدل والانصاف والحق يعتمد ذلك في جميع المملكة الشريفة‏:‏ مدنها وقراها وأعمالها وولاياتها‏:‏ بحيث يشمل الرعايا من خاص وعام وبعيد وقريب وغائب وحاضر ووارد وصادر ويستجلب الأدعية الصالحة من جميع الناس لهذه الأيام الزاهرة ويستنطق الألسنة بذلك فإن العدل حجة الله ومحجة الخير فيدفع كل ضرر ويرفع كل ضير‏.‏

فصل الدماء يعتمد فيها حكم الشرع الشريف‏.‏

ومن وجب عليه قصاص يسلم لغريمه ليقتص منه بالشرع الشريف ومن وجب عليه القطع يقطع بالشرع الشريف‏.‏

فصل الأمور المختصة بالقاهرة ومصر المحروستين حرسهما الله تعالى‏:‏ لا يتجوه فيها أحد ولا يقوى قوي على ضعيف ولا يتعدى أحد على أحد جملة كافية‏.‏

فصل يتقدم بأن لا يمشي أحد في المدينة ولا ضواحيها في الحسينية والأحكار في الليل إلا لضرورة ولا يخرج أحد من بيته لغير ضرورة ماسة والنساء لا ينصرفن في الليل ولا يخرجن ولا يمشين جملة كافية‏.‏

فصل الحبوس تحرس وتحفظ بالليل والنهار وتحلق لحى الأسارى كلهم‏:‏ من فرنج وأنطاكيين وغيرهم ويتعهد ذلك فيهم كلما تنبت ويحترز في أمر الداخل إلى الحبوس ويحترز على الأسارى الذين يستعملون والرجال الذي يخرجون معهم وتقام الضمان الثقات على الجاندارية الذين معهم ولا يستخدم في ذلك غريب ولا من فيه ريبة ولا تبيت الأسارى الذين يستعملون إلا في الحبوس ولا يخرج أحد منهم لحاجة تختص به ولا لحمام ولا كنيسة ولا فرجة وتتفقد قيودهم وتوثق في ويضاعف الحرس في الليل على خزانة البنود بإظهار ظاهرها وعلوها وحولها وكذلك خزانة الشمائل وغيرها من الجيوش‏.‏

فصل يرتب جماعة من الجند مع الطواف في المدينة لكشف الأزقة وغلق الدروب وتفقد أصحاب الأرباع وتأديب من يخل بمركزه من أصحاب الأرباع وتكون الدروب مغلقة‏.‏

وكذلك تجرد جماعة الحسينية والأحكار وجميع المراكز ويعتمد فيها هذا الاعتماد ومن وجد في الليل قد خالف المرسوم ويمشي لغير عذر يمسك ويؤدب‏.‏

فصل الأبواب يحترز على الأبواب غاية الاحتراز ويتفقد في الليل خارجها وباطنها وعند فتحها وغلقها‏.‏

فصل الأماكن التي يجتمع فيها الشباب وأولو الدعارة ومن يتعانى العيث والزنطرة لا يفسح لأحد في الاجتماع بها في ليل ولا نهار ويكفون الأكف اللئام بحيث تقوم المهابة وتعظم الحرمة وينزجر أهل الغي والعيث والعبث‏.‏

فصل يرتب المجردون حول المدينتين بالقاهرة ومصر المحروستين على العادة وكذلك جهة القرافة وخلف القلعة وجهة البحر وخارج الحسينية ولا يهمل ذلك ليلة واحدة ولا يفارق المجردون مراكزهم إلا عند السفور وتكامل الضوء‏.‏

فصل يتقدم بأن لا تجتمع الرجال والنساء في ليالي الجمع بالقرافتين ويمنع النساء من ذلك‏.‏

فصل مهمات الغائبين في البيكار المنصور تلحظ ويشد من نوابهم في أمورهم ومصالحهم ويستخلص حقوقهم لنوابهم وغلمانهم ووكلائهم ومن كانت له جهة يستخلص حقه منها ولا يتعرض إلى جهاتهم المستقرة فيما يستحقونه ويقوي أيديهم وتؤخذ الحجج على وكلائهم بما يقبضونه حتى لا يقول مؤكلوهم في البيكار‏:‏ إن كتب وكلائنا وردت بأنهم لم يقبضوا لنا شيئاً فيكون ذلك سبباً لرد شكاويهم‏.‏

فصل خليج القاهرة ومصر المحروستين يرسم بعمله وحفره وإتقانه في وقته‏:‏ بحيث يكون عملاً جيداً متقناً من غير حيف على أحد بل كل أحد يعمل ما يلزمه عملاً جيداً‏.‏

جسور ضواحي القاهرة يسرع في إتقانها وتعريضها ويجتهد في حسن رصفها وفتح مشاربها وحفظها من الطارق عليها تبقى متقنة مكملة إلى وقت النيل المبارك ولا يخرج في أمرها عن العادة ولا يحتمي أحد عن العمل فيها بما يلزمه ويحمل الأمر في جراريفها ومقلقلاتها على ما تقدمت به المراسيم الشريفة في أمر الجسور القريبة والبعيدة‏.‏

فصل في الأعمال والولايات تتنجز الأمثلة الشريفة السلطانية المولوية الملكية الصالحية الفلانية شرفها الله تعالى بإتقان عمل الجسور وتجويدها وتعريضها وتفقد القناطر والتراع وعمل ما تهدم منها وترميم ما وهى وإصلاح ما تشعث من أبوابها وتحصيل أصنافها التي تدعو الحاجة إليها في وقت النيل وتعتمد المراسيم الشريفة من أن أحداً لا يعمل بالجاه ومن وجب عليه فيها العمل يعمل على العادة في الأيام الصالحية ويؤكد على الولاة في مباشرتها بنفوسهم وأن لا يتكلموا على المشدين وأي جهة حصل منها نقص أو خلل كان قبالة ذلك روح والي ذلك العمل وماله ويشدد على الولاة في ذلك غاية التشديد ويحذر أتم التحذير وتؤخذ خطوط الولاة بأن الجسور قد أتقن عملها على الوضع المرسوم به وأنها أتقنت ولم يبق فيها خلل ولا ما يخشون عاقبته ولا ما يخافون دركه وأنها عملت على ما رسم‏.‏

يتقدم إلى الولاة ويستخرج الأمثلة الشريفة السلطانية بترتيب الخفراء على ما كان الحال رتب عليه في الأيام الظاهرية‏:‏ أن يرتب من البلد إلى البلد خفراء ينزلون ببيوت شعر على الطرقات على البلدين يخفرون الرائح والغادي وأي من عدم له شيء يلزمه دركه وينادى في البلاد أن لا يسافر أحد في الليل ولا يغرر ولا يسافر الناس إلا من طلوع الشمس إلى غروبها ويؤكد في ذلك التأكيد التام‏.‏

فصل الثغور المحروسة يلاحظ أمورها ومهماتها ويستخرج الأمثلة الشريفة السلطانية في مهماتها وأوالها وحفظها والاحتراز على المعتقلين بها والاستظهار في حفظهم والتيقظ لمهمات الثغر واستجلاب قلوب التجار واستمالة خواطرهم ومعاملتهم بالرفق والعدل حتى تتواصل التجار وتعمر الثغور ويؤكد عليها في المستخرج وتحصيل الأموال وأصناف الذخائر وأصناف الخزائن المعمورة والحوائج خاناه ويوعز إليهم بأن هذا وقت انفتاح البحر وحضور التجار وتزجية الأموال وصلاح الأحوال والنهضة في تكثير الحمول ويؤكد عليهم في المواصلة بها وأن تكون حمولاً متوفرة وأنه لا يفرط في مستخرج حقوق المراكب الواصلة ولا يقلل متحصلها ولا ينقص حملها ويسير بحملها حملاً إلى بيت المال المعمور على العادة ويؤكد عليهم في الاستعمالات ولا يؤخر مهمها عن وقته ومهما وصل من المماليك والجواري والحرير والوبر والأطلس والفضة الحجر وأقصاب الذهب المغزول يعتمد في تحصيله العادة‏.‏

فصل يؤكد على ولاة الأعمال في استخلاص الحقوق الديوانية من جهاتها والمواصلة بالحمول في أوقاتها ومباشرة أحوال الأقصاب ومعاصرها في أوقاتها واعتماد مصلحة كل عمل على ما يناسبه وتقتضيه مصلحته‏:‏ من مستخرج ومستغل ومحمول ومزدرع ومستعمل ومنفق ويحذرهم عن حصول خلل أو ظهور عجز أو فتور عزم أو تقصير رأي أو ما يقتضي الإنكار ويوجب المؤاخذة ويشدد في ذلك ما تقتضيه فرص الأوقات التي ينبغي انتهازها على ما يطالعون به‏.‏

فصل أموال الخراج الديوانية يحترز عليها وتربى وتنمى ولا يطلق منها شيء إلا بمرسوم شريف منا ويطالع بأن المرسوم ورد بكذا وكذا ويعود الجواب بما يعتمد في ذلك‏.‏

فصل حقوق الأمراء والبحرية والحلقة المنصورة والجند وجهاتهم يستخلص أموالهم ووكلاءهم ويوجد الشهادات بما عليهم من غلة ودراهم وغير ذلك ولا يحوج الوكلاء إلى شكوى منهم تتصل بمن هو في البيكار ويحسم هذه المادة ويسد أبواب المماطلة عنهم‏.‏

فصل يتقدم إلى الولاة والنظار والمستخدمين بعمل أوراق بما يتحصل للمقطعين الأصلية في كل بلد ولمقطع الجهة ولمن أفرد له طين بجهة ولمن جهته على الرسوم‏:‏ ليعلم حال المقطعين في هذه السنة الجيشية الجهاتية وما تحصل لكل منهم ولا يحصل من أحد من الولاةمكاشرة ولا إهمال ولا يطمع في الوكلاء لأجل غيبة الأمراء والمقطعين في البيكار ولا يحوج أحد من المقطعين إلى شكوى بسبب متأخر ولا ظليمة ولا إجحاف‏.‏

فصل إذا خرج جاندار من مصر إلى الأعمال لا يعطى في العمل أكثر من درهمين نقرة ويوصل الحق الذي جاء فيه لمستحقه فإن حصل منه قال وقيل أو حيف أو تنعت يرسم عليه ويسير الحق مع صاحبه معه ويطالع بأن فلاناً الجاندار حضر وجرى منه كذا وكذا ويشرح الصورة ليحسم المواد بذلك‏.‏

فصل إذا سير أحد من الولاة رسولاً بسبب خلاص حق من بعض قرى أعماله فيكون ما يعطى الجاندار عن مسافة سفر يوم نصف نقرة وعن يومين درهم واحد لا غير وأي جاندار تعدى وأخذ عير ذلك يؤدب ويصرف من تلك الولاية‏.‏

فصل تكتب الحجج على كل وكيل يقبض لمخدومه شيئاً من مغله أو جهته‏:‏ من الديوان أو الفلاحين ولا يسلم له شيء إلا بشهادة بحجج مكتتبة عليه تخلد منها حجة الديوان المعمور بما قبضه من جهته أو إقطاعه وتبقى الحجج حاصلة حتى إذا شكا أحد إلينا وسيرنا عرفناهم بمن يشكو من تأخر حقه يطالعوننا بأمر وكيله وما قبض من حقه وتسير الشهادة عليه طي مطالعته ‏"‏ ويحترز من الشهادات ‏"‏ بما وصل لكل مقطع حتى إنا نعلم من مضمون الحجج والشهادات متحصل المقطعين من البلاد والجهات مفصلاً وجملة ما حصل لكل منهم‏:‏ من عين وغلة وما تأخر لكل منهم ويعمل بذلك صورة أمور البلاد والمقطعين وأحوالهم ويزيل شكوى من تجب إزالة شكواه وتعلم أحوالهم على الجلية‏.‏

فصل تقرأ هذه التذاكر على المنابر فصلاً فصلاً ليسمعها القريب والبعيد ويبلغها الحاضر والغائب ويعمل بمضمونها كل أحد ومن خرج عنها أو عمل بخلافها فهو أخبر بما يلقاه من سطوتنا وشدة بأسنا والسلام‏.‏

الضرب الثالث ما كان يكتب لنواب القلاع وولاتها إما عند استقرار النائب بها وإما في خلال نيابته‏:‏ والعادة فيها أن يكتب فيها باعتماد الكشف عن أحوال القلعة وأسوارها وعرض حواصلها ومقدمي رجالها وترتيب الرجال في مراكزهم وكشف مظالم الرعايا والنظر في الاحتراز على القلعة وعلى أبوابها والاحتفاظ بمفاتيحها على العادة وتحصيل ما يحتاج إليه فيها من الزاد والحطب والملح والفحم وغير ذلك والمطالعة بمتجددات الأخبار‏.‏

وهذه نسخة تذكرة كتب بها عن السلطان الملك المنصور قلاوون بسبب قلعة صرخد من الشام عند استقرار الأمير سيف الدين باسطي نائباً والأمير عز الدين والياً بها في سنة تسع وسبعين وستمائة من إنشاء القاضي محيي الدين بن عبد الظاهر صاحب ديوان الإنشاء بالأبواب السلطانية وهي‏:‏ تذكرة مباركة نافعة لكثير من المصالح جامعة يعتمد عليها الأميران‏:‏ سيف الدين وعز الدين يعتمدان العدل في الرعية وسلوك منهج الحق في كل قضية واعتما ما يرضي الله تعالى ويرضينا وليكن الإنصاف لهما عقيدة والتقوى ديناً ولا يتطلع أحدهما إلى ما في يد أحد من مال ولا نشب ولا يعارض أحد أحداً بلا سبب وليتقوا الله ويخشوه ويتجنبوا الباطل ولا يغشوه ولا يظن أحد منهم أن قد بعد عنا فيطمع إلى الظلم أو يطمع فإنا منهم بمرأى ومسمع وليكونوا على المصالح متفقين وبأذيال الحق متعلقين وعلى الرعية مشفقين‏.‏

فصل‏:‏ يتقدمان بكشف أسوار القلعة المنصورة وأبراجها وبدناتها وأبوابها وما يحتاج إلى إصلاح وترميم وعمارة ويحرران أمر ذلك تحريراً ويجتهدان في إصلاح ما يجب إصلاحه وترميم ما يجب ترميمه والمطالعة بما كشفاه وما اعتمداه‏.‏

فصل‏:‏ يتقدمان بعرض حواصل القلعة المنصورة والخزانة المعمورة ويحققون ما بها من الأموال والغلال والذخائر والحواصل ويعملون بذلك أوراقاً محررة ويسيرون نسختها إلى الباب الشريف‏.‏

فصل‏:‏ يتقدمان بعرض مقدمي رجال القلعة وأرباب الجامكيات والرواتب بها ويحرران أمر فصل‏:‏ يستوضحان من الأمير عز الدين والأمير علم الدين المنصرفين عن المصالح المختصة بهذه القلعة وعن أمورها جليلها وحقيرها فإنهما قد أحسنا في ذلك التدبير وأجملا التأثير وسلكا أجمل مسلك ويهتديان بما يوضحانه لهما من المصالح والمهمات ليكون دخولهما في هذا الأمر على بصيرة‏.‏

فصل‏:‏ يكون أمر النيابة والحكم العام في القلعة المنصورة وتنزيل الرجال واستخدامهم وصرف من يجب صرفه - للأمير سيف الدين باسطي بمشاركة الأمير عز الدين في أمر الرجال والاستخدام والصرف ويكون أمر النيابة راجعاً للأمير سيف الدين باسطي والحكم فيها له ويكون أمر ولاية القلعة للأمير عز الدين ويجريان في ذلك على عادة من تقدمها في هذه النيابة والولاية ويكون الأمير سيف الدين في الدار التي يسكنها الأمير عز الدين وحكمه في النيابة كحكمه ويسكن الأمير عز الدين في الدار التي كان يسكن فيها الأمير علم الدين وحكمه في الولاية كحكمه‏.‏

ولا يتعدى أحد طوره ولا يخرج عما قرر فيه ويرعى كل منهما لصاحبه حقه فيما رتب فيه ويتفقان على المصالح كلها ويكونان كروحين في جسد واحد‏.‏

يتقدمان بأن يترتب الرجال في مراكزهم ومنازلهم على العادة في الليل والنهار والحرسية على العادة في الليل والنهار‏.‏

وإن كان ثم خلل في ذلك أو تفريط أو إهمال فليستدرك الفارط ويرتب الأمر فيه على أحسن ترتيب‏.‏

فصل‏:‏ ينتصبان في أوقات العادة في باب القلعة لكشف مظالم الرعية في القلعة والبر ويعتمدان إنصافهم وتلبية داعيهم وسماع كلمهم وكف ظالمهم وإعانة مظلومهم واعتماد ما يجب من العدل وبسطه في الرعية وكف الأيدي العدية‏.‏

فصل‏:‏ أبواب القلعة إذا أغلقت في كل ليلة تبيت المفاتيح عند النائب في المكان المعتاد بعد ختم الوالي عليها على العادة وإذا تسلمها يتسلمها بختمها على العادة‏.‏

فصل‏:‏ الذخائر والغلال يجتهد في تصليحها بالقلعة ولا تخزن غلة جديدة على غلة عتيقة‏.‏

وكل هري يخزن فيه غلة يحرر أمرها وتشال عينتها في كيس وتجعل في الخزانة ويختم عليها ولا يصرف من الجديد قبل نفاد العتيق ولا يترك العتيق ويصرف من الجديد‏.‏

وكذلك بقية الحواصل يسلك فيها فصل‏:‏ مهما جرت العادة بتثمينه على أرباب الجامكيات والمقررات فليجر الأمر فيه على العادة من غير حيف وليخل الديوان والمباشرون في التثمين لئلا يسلك أمر التثمين على الرجالة والضعفاء مع قلة معلومهم ويوفر من ذلك أرباب الدواوين مع كثرة معلومهم بل يكونوا أول من يثمن عليه ومن لا قدرة له‏:‏ مثل راجل ضعيف أو رب معلوم قليل فليرفق به في ذلك نظراً في حق الضعفاء‏.‏

فصل‏:‏ يكثرون من الأحطاب ومن الفحم والملح بالذخائر وكذلك من كل ما تدعو الحاجة إليه ويجتهدون في تحصيل الأموال وتوفيرها بالخزانة المعمورة‏:‏ بحيث لا يكون لهما شغل يشغلهما عن ذلك بل يصرفان الهمة في غالب أوقاتهما إلى الفكرة في مال يحصلونه أو صنف يدخرونه ولا يهملان ذلك‏.‏

فصل‏:‏ يطالعان الأبواب العالية في غالب أوقاتهما بما يتجدد عندهم من المصالح وبما يتميز من الأموال وبما حمل إلى الخزائن وإلى الأهراء من الأموال والغلال‏.‏

وكذلك يطالعان نائب السلطنة بدمشق المحروسة على العادة في ذلك ولتكن مطالعتهما جامعة وعليها خطهما‏.‏

ومن لاحت له مصلحة في بعض الأوقات واختار أن يطالع بانفراده فليطالع‏.‏

فصل‏:‏ لا يمكنان أحداً من الرجال المرتبين بالقلعة المحروسة وأرباب النوب أن يخل بنوبته ولا يفارقها ولا يخرج من القلعة أحد من الرجال إلا بدستور ويعود في يومه والله الموفق‏.‏

قلت‏:‏ وبالجملة فالتذاكر منوطة بحال المكتوب له التذكرة والمكتوب بسببه فيختلف الحال باختلاف الأسباب ويؤتى لكل تذكرة بفصول تناسبها بحسب ما تدعو الحاجة إليه‏.‏

واعلم أن اللائق بالتذاكر الخارجة من ديوان الإنشاء أن تكون في الفصاحة والبلاغة على حد الرسائل فيعلو شأن التذكرة باعتبار اشتمالها عل الفصاحة والبلاغة وينحط بفواتهما وانظر إلى تذكرة القاضي الفاضل المبتدأ بها وما اشتملت عليه من الفصاحة والبلاغة وأين هي من التذكرتين اللتين بعدها فإنه قد أهمل فيهما مراعاة الفصاحة والبلاغة جملة بل لم تراع في الأخيرة منهما قوانين النحو إذ يكون يتكلم بصيغة التثنية على سياق ما عقدت له التذكرة لاشتمالها على اثنين فإذا هو قد عدل إلى لفظ الجمع ثم يعود إلى لفظ التثنية هذا وهي منسوبة إلى القاضي محيي الدين بن عبد الظاهر صاحب ديوان الإنشاء يومئذ وهو من بيت الكتابة والبلاغة إلا أنه قد يريد بعدوله من التثنية إلى الجمع أن ينتقل إلى خطاب جمع المتحدثين في القلعة فيما يتعلق بذلك الفصل الذي يكون فيه وإلا فلا يجوز صدور مثل ذلك عنه وتكرار المرة بعد الأخرى‏.‏